تتضح أهمية التشخيص ووظيفته في الآتي:
1. تقدير درجة اضطراب الشخصية في مداها وعمقها، لتحديد
ما إذا كانت خللاً بسيطاً في الشخصية أم تفككاً لها؟ وما إذا كانت اختلالات ذات
أصل نفسي، أم ذات أصل عضوي؟
2. الوقوف على العوامل المباشرة المسهمة في إحداث
الاضطراب، على نحو يساعد في وضع أساليب التدخل العلاجي على أسس علمية، تخلو من
التخمين المبالغ فيه. أي أن التشخيص يساعد في تحديد الأسس، التي يُبنى عليها
اختيار منهج علاجي معين.
3. التعرف على العوامل غير المباشرة المؤثرة
والمدعمة للاضطراب أو الخلل، ومن ثم تزيد من حدة الاضطراب.
4. تحديد أدوار المحيطين بالحالة، وكيفية الإفادة منهم
في التدخل.
5. معرفة مقدار نمو الشخصية ودينامياتها، وما تعانيه
من مشكلات توافقية مع الذات والآخر، وتحديد الاحتياجات النفسية والإرشادية والتربوية
... إلخ، وكيفية مواجهتها وإشباعها.
6. محاولة التنبؤ بما ستؤول إليه الحالة، أو تقدير
احتمالات تطور الخلل ومساره.
ونظراً
لأهمية التشخيص فإنه:
· يتحدد هدفه
في التوصل إلى فهم شامل للحالة، وتحديد نوع الاضطراب ومداه وعمقه، وتحديد المنهج
العلاج وأساليبه المناسبة. كما يزود المعالج بنقطة بدء للتدخل ولمتابعة الحالة،
كلما تقدمت في العلاج بالرجوع إلى نقطة البدء الأولى.
· كلما كان
التشخيص مبكراً، زادت فرص نجاح التدخل والعلاج؛ فهناك كثير من الأمراض
والاضطرابات يسهل التعرف عليها، ومن ثم التدخل المبكر لعلاجها، مثل التخلف
العقلي. وفي المقابل، توجد اضطرابات يصعب التعرف عليها، مثل الاضطرابات التي
ترجع إلى قصور النمو النفسي في مراحل الطفولة، وترجع إلى عوامل لا شعورية.
ثانياً: تعريف التشخيص النفسي
مُصطلح "التشخيص" مشتق من المجال الطبي،
ويعني في الأصل اليوناني "المعرفة الدقيقة"، التي تتضمن تحديداً
دقيقاً لطبيعة الاضطراب؛ تحديداً يميزه عن غيره من الاضطرابات، التي تنتمي إلى
الفئة التصنيفية نفسها.
وثمة تعريف آخر يتضمن "الفهم الكامل"
للحالة، بقصد التوصل إلى افتراض دقيق عن طبيعة مشكلة العميل أو المريض وأساسها.
أي أن التشخيص هو تقويم لخصائص شخصية العميل (قدراته، إنجازاته، سماته... إلخ)،
التي تساعد في فهم مشكلاته.
والتشخيص هو الفن أو السبيل، الذي يتسنى به التعرف على
أصل وطبيعة ونوع المرض.
مما سبق، يتضح أن التشخيص فن يحتاج إلى متخصص مؤهل
تأهيلاً علمياً معيناً، ومدرباً تدريباً عملياً دقيقاً. كما أن التشخيص عملية
تتضمن سلسلة من الإجراءات والخطوات، التي يسير فيها الأخصائي بدرجة عالية من
المرونة والخبرة، اللتان تساعدانه على جمع المعلومات وتسجيلها وتحليلها، واتخاذ
القرار المناسب للحالة.
والتشخيص هو الفهم الكامل القائم على المعرفة الدقيقة،
ليس فقط للواقع، الذي يعيشه العميل أو المريض في الوقت الحاضر، بل وللتاريخ
السابق الذي مر به. وتتصف هذه المعرفة بالشمول، لأنها لا تقتصر على جانب معين من
الشخصية، بل تشمل جوانب متعددة، كالقدرات العقلية، والسمات الوجدانية،
والاتجاهات الشعورية، والمضامين اللاشعورية التي تؤثر في العميل. وأخيراً لا
يكون التشخيص لذات التشخيص، بل لهدف معين أو أهداف معينة.
وإذا كان التشخيص مصطلحاً مشتقاً من الطب، إلا أنه يختلف
عنه في عدة أمور:
1. من حيث
أسباب الاضطراب أو المرض
يمكن في المجال الطبي تحديد الأسباب بدرجة عالية من
الدقة؛ أما في التشخيص النفسي، فإنه يصعب تحديد الأسباب، لذلك يُستخدم مفهوم
"العوامل المسهمة"، بدلاً من الأسباب.
وإذا كانت الأسباب في التشخيص الطبي محددة، ويمكن
عزلها عن غيرها من العوامل؛ فإن الأسباب في التشخيص النفسي أقل تحديداً ويصعب
عزلها، كما أنها تتداخل بعضها في بعض.
2. من حيث
تصنيف الاضطرابات
ثمة شبه إجماع على فئات الأمراض العضوية والجسمية، كما
أنه يسهل الاتفاق بين الأطباء على نوع المرض، الذي تعاني منه الحالة. أما في
التشخيص النفسي، فتوجد درجة محددة من الاتفاق على فئات الأمراض والاضطرابات،
فضلاً عن صعوبة الاتفاق بين الأخصائيين الإكلينيكيين على نوع المرض أو الاضطراب،
الذي تعاني منه الحالة.
3. من حيث
التنبؤ بسير المرض
يمكن التنبؤ بمآل المرض ومساره بين من اتفقوا على
التشخيص الطبي. أما المآل في مجال الاضطرابات النفسية، فيكون احتمالياً ومتنوعاً
داخل الفئة التصنيفية الواحدة؛ بل ويكون فردياً في أكثر الحالات.
4. من حيث
العلاج
يكون العلاج معروفاً ومحدداً للأمراض العضوية. أما
الاضطرابات والأمراض النفسية، فيكون العلاج أقل تحديداً؛ بل يكون ذا طبيعة فردية
تبعاً لكل حالة.
ثالثاً: المقومات الأساسية للتشخيص النفسي
تحقيقاً لأهداف التشخيص في اختيار نوع التدخل أو
العلاج المناسب لكل حالة، فثمة مقومات أساسية للتشخيص، هي:
1. الفهم
وهو القدرة على إدراك علاقات الفرد بالآخر، والمعاني
التي يقصدها، ومحتوى سلوكه وأفعاله وتكوينه. ولا يتوقف فهم العميل أو المريض على
إدراك حقائق الموقف؛ إنما يتوقف الفهم على قدرة الأخصائي على أن يشعر بشعور
العميل، ويحس بخبراته من وجهة نظره. فكأن الفهم يتوقف على القدرة على الإحساس
بشعور الآخر، والقدرة على وصف أفكاره ومشاعره.
ويعني ذلك قدرة الأخصائي على الدخول في دنيا العميل
ورؤيته من الداخل، كما يراها العميل نفسه، وكأنها دنيا الأخصائي دون أن تذوب
نفسه فيها؛ إذ يجب على الأخصائي أن يحس بمخاوف العميل وغضبه واضطرابه، وكأن هذه
المشاعر مشاعره هو نفسه؛ ولكن دون أن يخاف أو يغضب أو يضطرب. فإذا اتضحت
للأخصائي دون العميل، وتمكن من التحرك فيها بحرية، تمكن من التعبير عن فهمه لهذه
الدنيا، والتعبير عن معاني خبرات العميل.
بمعنى آخر، يعني الفهم القدرة على إدراك الإطار
المرجعي الداخلي للشخص الآخر بدقة. والشرط الضروري الذي يجب مراعاته، هو أن يرى الأخصائي
دنيا الشخص الآخر وكأنها دنياه. والتأكيد هنا على كلمة "وكأنها"، وإلا
تحولت العملية إلى عملية تقمص لا عملية فهم.
وحتى يستطيع الأخصائي فهم العميل، لا بد من إجراء فحص
دقيق لشخصيته. وهدف الفحص هو فهم شخصية العميل دينامياً ووظيفياً، والوقوف على
نواحي قوته وضعفه، وتحديد اضطرابات الشخصية، التي تؤثر على سعادته وهنائه
وكفايته، وتوافقه النفسي الاجتماعي، وعلاقاته بالآخرين، وفهم حياته الحاضرة
والماضية، وعلاقتها بمشكلاته ومرضه.
ويتضمن الفحص جمع المعلومات من مصادر مختلفة، مثل
المحيطين بالعميل أو المريض، واستخدام وسائل متعددة، كالملاحظة والمقابلة،
وتطبيق الاختبارات النفسية، والرجوع إلى السيرة الشخصية للعميل والسجلات الخاصة
به، وتقارير الأخصائي الاجتماعي والطبيب.
ويقول بعض الباحثين أن التشخيص يكون على مرحلتين:
أولهما: وصف
المعلومات التي نحصل عليها أثناء عملية الفحص.
وثانيهما: تفسير
هذه المعلومات وفهمها.
وتكون عملية التفسير في التشخيص من طريق فرض عدد من
الفروض، المتعلقة بالأسباب، ومحاولة إثبات كل منها أو استبعاده. ويدخل في عملية
التفسير الاستناد إلى نظرية أو أكثر، من نظريات الشخصية، والعلاج النفسي، مثل:
التحليل النفسي، أو النظرية السلوكية، أو النظرية المعرفية، وغيرها.
2. التصنيف
هو وضع العميل في فئة معينة من الاضطرابات، تجمع بينها
خصائص مشتركة. أي أن التصنيف هو تحديد وضع العميل لباقي الأمراض.
وتُعد الأعراض -التي تظهر لدى العميل خصائص ذاتية أو
موضوعية- إمارات على المرض. وقد شغل تصنيف الأعراض اهتمام الباحثين، لكي يصلوا
إلى تصنيف يمكن أن يزود الأخصائيين بوسائل ناجحة لتحديد الأنماط المختلفة من
الاضطرابات، وأن يوصي بطائفة من الإمارات الدالة على الأسباب المحتملة والعلاج
المناسب لكل اضطراب.
وقد ظهرت تصنيفات متعددة للأمراض والاضطرابات النفسية،
ويُشترط في فئات كل تصنيف أن تكون كل فئة مستقلة عن الأخرى، وأن تتصف
بالموضوعية. وتظهر الأعراض في كل فئة كزُملات، وأن تشتق الفئات من مصادر متعددة
المعلومات.
ويحفل التراث النفسي بعدة تصنيفات للاضطرابات؛ ومنها
تصنيفها بناءً على النظريات المفسرة للاضطرابات، مثل
أ. نظرية التعلم الاجتماعي: ويتضمن
التنصيف
· حالات
العجز عن امتلاك الوسائل المناسبة للتعامل والتكيف.
· العجز عن
السيطرة على المثيرات، التي يتعرض لها الفرد.
· السيطرة
غير الملائمة على مثيرات السلوك، التي يواجهها الفرد.
· نظام غير
مناسب وقاصر للحوافز.
· السلوك
الإيذائي للآخرين.
· أنظمة
الإيذاء المدعمة ذاتياً.
ب. النظرية النفس تربوية
· التلاميذ
الذين تظهر لديهم المشكلات العادية اليومية.
· التلاميذ
الذين يعانون من صعوبات متكررة، سلوكياً وتعليمياً.
· التلاميذ
الذين يعانون من مشكلات سلوكية وتعليمية حادة.
· التلاميذ
الذين يعانون من مشكلات سلوكية وتعليمية حادة، ما يستدعي إيداعهم في فصول أو
مدارس خاصة.
ومن التصنيفات على أساس منشأ الاضطرابات، اختلالات ذات
أصل نفسي (نفسية المنشأ)، مثل الاختلالات العصابية، والاختلالات
السيكوفيسيولوجية، والاختلالات الأخلاقية، والاختلالات الذهانية. والنوع الثاني
اختلالات ذات أصل عضوي، وتنشأ عن خلل في وظائف المخ، مثل الإصابة بالالتهابات
السحائية.
وقد تطور التقييم التشخيصي لاضطرابات الشخصية في صورة
أدلة، بحيث يتضمن كل دليل تعديلات تختلف عن التعديلات الواردة في الأدلة
السابقة، حتى وصلت إلى أربع فئات تصنيفية، هي: المجموعة غريبة الأطوار،
والمجموعة الشاردة، والمجموعة المتخوفة، واضطرابات الشخصية الاكتائبية.
3. التنبؤ
يتضمن "المآل" أي التنبؤ بما سيحدث، ما
سيكون عليه المرض في المستقبل. ويهدف التنبؤ إلى تقدير احتمالات تطور المرض أو
المشكلة، ومدى الاستجابة لعلاج معين؛ أي أن عملية التنبؤ أو تحديد المآل، تهدف
إلى توجيه وتحسين عملية العلاج، في ضوء ما هو متوقع، وتحديد أنسب طرق العلاج
لتحقيق أكبر قدر من النجاح، وتحديد حد مرن للنجاح، يساعد في تقييم عملية العلاج.
وثمة نوعان من التنبؤ، هما التنبؤ الاحصائي، والتنبؤ
الإكلينيكي. وتمثل مشكلة التنبؤ ميداناً يزداد فيه الاعتماد على جهود الأخصائي
النفسي الإكلينيكي، وهو في هذه الحالة يعتمد على حسه الإكلينيكي المدرب، وعلى
تقييمه لقوة "أنا" العميل، وعلى عدد من المؤشرات المشتقة من النظرية
التي تبناها، ويهتدي بها في عمله وفي تحليله للصفحة النفسية، التي يتنبأ بأن
صاحبها قابل لعلاج نفسي، من نوع معين.
وثمة مجموعة من العوامل تجعل التنبؤ أفضل، منها: طلب
العلاج مبكراً عند بدء ظهور الأعراض، ودون تأخير؛ فإذا كان التشخيص دقيقاً، وبدأ
العلاج مبكراً، ولم يحدث تدهور في الشخصية، وعندها تكون بصيرة العميل أفضل.
ويعتمد التنبؤ على المعلومات المتوافرة عن العميل، مثل
حالته الجسمية والعقلية وذكائه وتعليمه وعمره، وعلى بيئة المريض ودرجة تعاونها،
والظروف التي حدث فيها الاضطراب، وقوة دافعه للعلاج، وقدرته على المواءمة
لمواجهة المواقف الجديدة في الحياة.
ويعتمد صدق التنبؤ على ما تسفر عنه المتابعة، والتقويم
المستمر للحالة، من بداية العلاج وأثنائه وفي نهايته.
رابعاً: المسلمات التي يستند إليها التشخيص
1. يستند التشخيص إلى عدة مسلمات عن السلوك الإنساني،
منها
أ. إن السلوك محدد بناءً على عوامل متعددة ومتفاعلة،
منها عوامل ترجع إلى الوراثة من الآباء والأجداد، وأخرى مستمدة من تاريخ حياة
الفرد وما مر به من خبرات، وعوامل ثالثة مستمدة من بيئة الفرد، التي يعيش فيها
ويتعامل معها.
ب. إن السلوك محصلة فعل ورد فعل، أي محصلة مثيرات
بيئية واستجابات فردية، يقوم بها الشخص للرد على تلك المثيرات؛ فالمخاوف المرضية
-وفقاً للمدرسة السلوكية- نتاج للتعرض لمثيرات مرعبة في مواقف معينة؛ فيحدث
ارتباط بين الخوف الشديد والوجود في مثل هذا الموقف. لذلك يتعلم الطفل الخوف
الشديد من الظلام، بناءً على القصص المرعبة التي يسمعها عن العفاريت التي تعيش
في الظلام، وما تفعله بالإنسان.
ج. السلوك هادف، أي يسعى نحو تحقيق هدف معين؛ فالسيدة
التي تكره زوجها ولا تطيق معاشرته تصاب ببعض الأمراض العضوية، التي ترجع إلى
أسباب نفسية، والتي تستخدمها للهرب من معاشرة الزوج.
د. إن السلوك مركزي التنظيم، تنظمه ذات الفرد ويكتسب
دلالته بالرجوع إلى ذات الفرد؛ فالمريض العقلي قد يتصور أن جاره يبعث إليه
بإشارات وذبذبات كهربائية تجعل حياته جحيماً، عندئذ قد يلجأ إلى محاولة قتله.
هـ. تنمو الشخصية في تتابع معين موجه؛ فالنمو سلسلة
متصلة الحلقات تعتمد كل واحدة منها على سابقتها، وتمهد للتالية عليها، وفي كل
مرحلة يتعدل ويتغير سلوك الكائن الحي؛ فعند مدرسة التحليل النفسي –مثلاً- يمر
الفرد بالمرحلة الفمية والشرجية والقضيبية والكمون... إلخ، ولكل مرحلة خصائصها
التي تميزها عن غيرها؛ وإذا حدث أن توقف النمو عند مرحلة معينة (أي حدث تثبيت)،
يُصاب الشخص باضطرابات معينة، أو خاصة بتلك المرحلة، وتظهر في المراحل التالية.
و. يكون سلوك الفرد توافقياً، أي يسعى الإنسان إلى
تحقيق التوافق مع نفسه ومع غيره، مستخدماً عدداً من الحيل. ومن هذه الحيل ما هو
إيجابي، مثل ضبط النفس والارتباط بالآخرين؛ ومنها ما هو سلبي، أي حيل عقلية لا
شعورية، يحاول بها الفرد التخفيف من القلق الناتج عن المشكلة، أو الموقف، دون أن
يحل المشكلة، فيعمد إلى الإسقاط والتبرير.
ز. يتميز السلوك بالمرونة والمطاوعة، أي القابلية
للتشكيل بناءً على ما يمر به الفرد من خبرات، وأحياناً يضعف مستوى المرونة لدى
الفرد فيُصاب بالجمود والتصلب، كما في حالات التعصب بصوره المختلفة.
ح. لا يرجع الاضطراب النفسي إلى عامل واحد فقط يمكن
تحديده؛ بل يرجع إلى عوامل متعددة، وإلى تفاعل تلك العوامل مع بعضها. فقد يُعزى
الاضطراب إلى عوامل نفسية واجتماعية وبيئية، بل وجسدية أيضاً، تتفاعل مع بعضها
لتولد الاضطرابات.
2. للسلوك السوي مؤشرات أو علامات يمكن الإفادة منها،
في عملية التشخيص
أ. الفعالية: أي توجيه السلوك نحو حل
المشاكل والضغوط، عن طريق المواجهة المباشرة لمصدرها.
ب. الكفاءة: بمعنى استخدام الفرد
لطاقاته من غير تبذير، وبصورة ناجحة توافقية وواقعية، تمكنه من أن يتبين
المحاولات غير الفعالة والعقبات، التي لا يمكن تخطيها، والأهداف التي لا سبيل
إلى بلوغها.
ج. الملاءمة: يحمل الشخص السوي أفكاراً
ومشاعر وتصرفات ملائمة، أي تعكس إدراكاته للواقع، وتكون أحكامه واستنتاجاته
مستخلصة من معلومات مناسبة، ولا تشوه الواقع أو تفسر البيئة تفسيراً خاصاً
وخاطئاً. كذلك يكون السلوك ملائماً للظروف، التي يمر بها الفرد، ولعمره ومستوى
نضجه.
د. القدرة على الإفادة من الخبرة: فالمريض
النفسي يدع نفسه تنغمس المرة تلو الأخرى في المواقف، التي تستثير القلق وتورثه
الفشل، ما يجعله عاجزاً عن الانتباه للإمارات، التي تمكنه من أن يتعلم أو يميز.
هـ. الفاعلية الاجتماعية: أي القدرة على
مشاركة الآخرين والتفاعل معهم، من غير إتكالية مفرطة عليهم أو نفور، أو انسحاب
مفرط منهم. ولدى الفرد قدر من التحرر يسمح له ألا يكون عبداً لما يقوله الآخرون
أو يفعلونه. ومع ذلك فهو من الحساسية والمشاركة الوجدانية بدرجة كافية، تجعله
يستجيب لمطالبه وحاجاتهم، وهو يتقبل الآخرين بوصفهم ذوات مستقلة، وهو قادر على
أن يتمتع بصحبة الآخرين، ولو أنه يدرك كذلك حاجته إلى أن يخلو إلى نفسه.
و. الاطمئنان إلى الذات: يتصف الشخص المتوافق
بتقديره لذاته وإدراكه لقيمتها، وبالطمأنينة والأمن. ويكون ذلك مرتكزاً على
تقدير واقعي لنواحي قوته وضعفه.
3. مسلمات خاصة بعملية التشخيص
يقوم التشخيص على مسلمة مؤداها أن المرض هو حالة تتميز
بالخصائص التالية
· وجود أسباب
للمرض أو الاضطرابات.
· ظهور أعراض
معينة وعلامات تدل على الاضطراب.
· مآل ومسار
فردي خاص بكل حالة.
· توقع
احتمالي لنتائج معينة للاضطرابات يمكن تغييرها، باتخاذ الأساليب المناسبة
للتدخل.
خامساً: صعوبات التشخيص
1. تغير التصنيفات التي تستند إلى منطلقات سيكاتيرية
(طب نفسي)، كما يظهر ذلك في الدليل التشخيصي للاضطرابات النفسية، إلا أن هذا
يقدم دليلاً على النمو العلمي، في مجال التشخيص النفسي.
2. عدم وجود التصنيفات الشاملة، التي يمكن أن تستند
إلى منطلقات طبية وثقافية واجتماعية، تأخذ في اعتبارها دور العوامل الثقافية في
الإصابة، والتعرف على الاضطراب، وفي نجاح العلاج.
3. الاعتماد على الخبرة الإكلينيكية في عملية التشخيص،
وفي تحديد مآل الاضطرابات النفسية؛ إلا أن تلك الخبرة الذاتية يمكن صقلها ودعمها
بتطوير وإعداد أدوات واختبارات مقننة، تساعد في التشخيص وتحديد الاضطراب.
4. تشابه وتداخل بعض أعراض الاضطرابات؛ فمثلاً
التوحدية تتداخل مع التخلف العقلي، ومشكلات اللغة والكلام، واكتئاب المسنين،
يتداخل مع الزهايمر أو الخرف. ومما يساعد في دقة التشخيص، وجود معايير محددة
وفارقة خاصة بكل اضطراب، على نحو يؤدي إلى التوصل إلى تشخيص فارق لكل حالة على
حدة. وكذلك يزداد التشخيص دقة إذا أمكن الاستعانة بالمتخصصين، في مجالات
الاضطرابات المتشابهة.
5. لا يرجع الاضطراب النفسي إلى عامل واحد؛ بل يرجع
إلى عوامل متشابكة ومتفاعلة. وهذا يؤدي بالأخصائي النفسي إلى استخدام أنواع
مختلفة من التشخيص، مثل التشخيص الإكلينيكي، الذي يعتمد على استخدام الاختبارات
والمقاييس المختلفة، والتشخيص الدينامي الذي يقوم على البحث والدراسة المتعمقة
لكل حالة فردية.
6. الاقتصار في التشخيص النفسي على الرجوع إلى ماضي
العميل وما مر به من خبرات. إن ما يجب ملاحظته أن الشخصية يمكن فهمها، إذا نظر
إليها على أنها تتحرك نحو المستقبل؛ ففهم الشخص لنفسه يتوقف على رؤيتها في حركة
إلى الأمام؛ فالخبرات لا معنى لها إلا برؤيتها في ضوء الحاضر، وما يمكن أن يحدث
في المستقبل. وما يسعى إليه الفرد في المستقبل يحدد ما يمكن أن يتذكره من ماضيه.
فإذا كان على الأخصائي أن يفهم عميله، فعليه أن يتخطى حدود الموقف الحالي ويرى
بدقة، ما يمكن أن يكون عليه عميله في المستقبل. وهذا الفهم يستلزم أن يقوم
التشخيص الدقيق على وفرة المعلومات الدقيقة عن العميل، ثم وضع وحدات المعلومات
وتنسيقها على نحو يقدم صورة شاملة دقيقة عن الشخصية، في ماضيها وحاضرها
وتطلعاتها المستقبلية.
7. ضعف الانتباه للاعتقادات الخاطئة عن المرض النفسي والعقلي،
التي يتبناها العميل والمحيطين به. ومن هذه الاعتقادات وراثة المرض العقلي، وأن
المرض العقلي غير قابل للشفاء، وأن المرض العقلي يهاجم الإنسان دون إنذار، وأن
الجنس هو سبب المرض العقلي. إن الانتباه لمدى سيطرة هذه المعتقدات، إضافة إلى
الأعراض الأخرى، التي تظهر على المريض، تيسر عملية التشخيص بالدقة المطلوبة.
8. اعتقاد الأخصائي النفسي بأن تشخيصه صحيح صحة مطلقة،
في حين أن التشخيص هو حُكم مؤقت قابل للتعديل، بناءً على ما يُستجد من معلومات،
وما تكشف عنه الوقائع.
ويعاني الأخصائي من مشكلات تتعلق بتذكر المعلومات وحفظها،
وانتقاء الأدوات المناسبة، وبالتشتت في تجميع احتياجات كل حالة، وتقديم
الاختبارات والمقاييس وتصحيحها. وللتغلب على هذه المشكلات، صُممت برامج للحاسب
الآلي يستخدمها الأخصائي النفسي، ليس فقط للتشخيص، بل وأيضاً في الوقوف على بعض
الوصفات العلاجية الجاهزة، والإستراتيجيات العامة، وفي زيادة موضوعية الأخصائي
أثناء التشخيص والعلاج.
وثمة مجموعة من الصعوبات النوعية، التي تواجه الأخصائي
مع بعض الحالات. ويظهر هذا واضحاً عند تشخيص الاضطرابات، التي يعاني منها
الأطفال، وذلك لأن:
1. الطفل ما يزال ينمو، ولم يصل بعد إلى تمام نضج
الشخصية، جسمياً وعقلياً وانفعالياً واجتماعياً.
2. أن السلوك العادي وغير العادي عند الأطفال، يختلف
عنه لدى الكبار.
3. أن المشكلات النفسية الخاصة بالأطفال تختلف مع
النمو.
4. أن مرض الطفل يكون أحياناً عرضاً لمرض أحد
الوالدين، أو كليهما.
5. إذا كان اللعب أداة تشخيصية وعلاجية ذات قيمة كبيرة
عند الأطفال، فإن الأمر يختلف لدى الكبار.
|
المصادر و المراجع
تجدونها في النسخة المحملة بصيغة PDF