انواع الحيل الدفاعية النفسية pdf |
إن عملية التوافق والتكيف ليست قاصرة
على الإنسان دون الحيوان ، فقد تلجأ بعض الحيوانات لأساليب خداع ، لحماية نفسها من
عدوها في البيئة الخارجية . فالحرباء مثلا قد تلجأ لتغيير لونها حسب ما حولها من
أحجار ، لتجنب نفسها من الخطر الخارجي . كل هذه الأساليب التي يستخدمها سواء
الإنسان أو الحيوان ما هي إلا لحفظ تماسكه ، وحفظ ذاته ونوعه ، وللتكيف مع البيئة
الخارجية ، وللدفاع عن الكيان الشخصي في آن واحد .
لكن ما هو المثير الحقيق لهذه الأساليب
؟ وما هو الهدف الأساسي من ورائها ؟
يعتبر القلق الشديد الذي لا يستطيع
الإنسان تحمله هو المثير لكل هذه الأساليب ، ويعتبر خفض التوتر هو الهدف الأساسي
وراء تلك الأساليب .
أنواع الحيل الدفاعية النفسية :
1 – حيل دفاعية شعورية :
وهي التي تخضع للتفكير والإرادة للوصول
إلى قرار ، والعمل والمثابرة .
2- حيل دفاعية لا شعورية :
وهي التي لا تخضع للتفكير ولا للإرادة
، ويلجأ إليها أغلب الأسوياء ، ولكن فد تزيد عن حد المعقول ، وتصبح وسائل أو حيل
هروبية ، ومن ثم يكون الإغراق فيها من مظاهر المرض النفسي .
أولا – الحيل الدفاعية الشعورية
1- إزالة العقبة :
لكل إنسان دافع يريد أن يشبعه ، ولكن
إذا صادفه عقبة ، فأول إجراء يتجه إليه هذه العقبة عن الطريق . فالطفل الذي يجد
أمامه كرسي مرتفع ، يحول بينه وبين قطعة الحلوى ، سرعان ما يحاول إزالته من
طريقه . والشاب المتقدم لفتاة ، وفي نفس الوقت تقدم لها شاب آخر ، فسرعان ما يحاول
إزاحته عن طريقه ، وذلك بإظهار عيوبه والإنقاص من شأنه ، والتقليل من قيمته في نظر
الفتاة وأهلها . وكذلك الحيوان قد يزج ما أمامه من كائنات للوصول إلى فريسته .
2- تغيير الطريق :
إذا لم يكن هناك إمكانية لإزالة العقبة
، فقد يتجه الإنسان إلى تغيير الطريق للوصول إلى تحقيق الهدف أو إشباع الدافع ،
فالطفل في المثال السابق إذا سم يستطع إزاحة الكرسي المرتفع ، فقد ينصرف عن هذه
المحاولة ، ويتسلق كرسي للوصول إلى هدفه .
3- تغيير الهدف :
إذا لم يتوصل الفرد للهدف ، أو يشبع
الدافع بواسطة إزالة العقبة أو تغيير
الطريق ، فإنه لم يتوصل لخفض التوتر ، وبالتالي يكون الهدف بعيد أو غير مناسب
وقدرات الفرد . فهنا يلجأ إلى طريقة أخرى وهي تغيير الهدف . فالطالب الذي حصل على
مجموع عال في الثانوية العامة ودخل كلية
الهندسة وفشل ، لأن إمكانياته وقدراته الميكانيكية والحسابية غير متناسبة مع كلية
الهندسة ن فهنا يحقق أمله ويدخل كلية الآداب ، ويكون إبداله ناجحا ، ولو دخل كلية
الطب لربما كان أنجح ، وذلك لتقارب كليتي الطب والهندسة في مستوى المجاميع .
4- التوفيق والتأجيل :
ونعني به التقريب بين القوى المتصارعة ، ومحاولة إرضائها جميعا ، ولو
بطريقة جزئية ، أو لو على حساب تأجيل إحداهما مؤقتا . فالطفل الذي يريد الطعام
ويريد ممارسة اللعب أيضا ، قد يؤجل الطعام إن لم يكن ملحا ، وحتى يرضي دافع اللعب
والاستطلاع . وقد يفعل العكس إن كان دافع الجوع شديد ، فلا يستطيع تأجيله ،
وفي كلا الحالتين يعود لإرضاء الدافع المتروك بمجرد إشباع الدافع الملح .
5 – التعويض :
والذي يعنينا هنا النوع الشعوري من التعويض ، والذي ينتج من دراسة
الموقف ، والتفكير فيه بموضوعية ، ثم دراسة العوائق ، ثم رسم الخطة نحو تعويض
النقص الذي يشعر به . فالطالب ذو القدرات العقلية المتدنية ، لا تؤهله للتفوق
الدراسي ، فقد يعوض هذا النقص بممارسة الرياضة والتفوق فيها .
وهناك التعويض الزائد : وفيه يتحدى الفرد نقصه في نفس المجال ويزيد
تفوقه ، ف " ديموستيشني " كان مصابا بعقلة في لسانه ، ويشكو من صوته ،
استطاع أن يتغلب على ذلك بالمران على الخطابة ، بوضع الحصى في فمه وبرفع صوته
عاليا ، فأصبح أخطب قومه وحاكما ورئيسا لهم .
وكذلك " روزفلت " كان يعاني من شلل الأطفال ، ولكنه تفوق
بالرياضة إلى جانب تفوقه بالسياسة .
إن جميع الطرق السابقة الذكر ، يلعب التفكير الإرادي دور أساسي في حل
المشكلة وتحليلها موضوعيا ، فيلجأ الإنسان إلى مواجهة نفسه ، فلا يخدعها ، ولا
يتغاضي عن عيوبه الخاصة ، ثم يبحث عن الطريق السليم لحل مشكلته ، وذلك باللجوء إلى
كل الوسائل السابقة ، لإثارة دوافعه وتقوية إرادته ، وتصميمه على المثابرة للوصول
للهدف .
ثانيا – الحيل الدفاعية اللاشعورية
كما قلنا سابقا أن هدف الحيل الدفاعية الشعورية هو : خفض التوتر ،
وأن عدم بلوغ الهدف هو ضعف في الإمكانيات أو القدرات . ولكن قد يجد الأسوياء في أن
الجهد الذي يتطلبه خفض التوتر أكثر مما يحتملون ، أو أنهم يخشون زيادة التوتر ، أو
يستأخرون الوصول إلى الهدف الذي يزيل التوتر ، أو يستكثرون المتاعب والآلام
التي تصاحب الحل الإرادي ، فيلجأون إلى الحيل الدفاعية اللاشعورية ، التي تهدف إلى
خفض التوتر والوصول إلى الهدف .. وقد تحدث الحيل الدفاعية اللاشعورية بصفة متكررة
حتى تصبح عادة سلوكية ، ولكن إذا زاد اللجوء إليها تصبح حيل دفاعية مرضية ، ويلجأ
الفرد لاستخدامها لتجنب الألم مهما صغر .
وبالتالي تصبح حيل دفاعية مرضية تعوق
التوافق السوي ، بعد أن كانت تهدف لخفض التوتر والتوافق .ويجب التنويه إلى أن
الحيل الدفاعية الخمسة السابقة قد تصبح لاشعورية ، فإزاحة العائق ، وتغيير الطريق
، وتغيير الهدف ، والتأجيل ، والتوفيق والتعويض ، قد تحدث جميعها بغير إدراك
لحقيقة الهدف المراد الوصول إليه ... بمعنى أن الحد الفاصل بين الحيل الدفاعية
الشعورية والحيل الدفاعية اللاشعورية إنما إدراك الفرد لها ، ولمرادها ولمغزاها من
عدمه .
ولكن السؤال المطروح هنا ... كيف يمكن أن تبدأ
هذه الحيل الدفاعية ؟
تبدأ بعملية أساسية هي
"الكبت" وممكن أن نعتبر عملية الكبت في ذاتها ن حيلة دفاعية اساسية ،
وممكن أن نعتبرها جزء من حيلة دفاعية أخرى مترتبة عليها ، فالخطوات الأساسية للحيل
الدفاعية تبدأ بالصراع ، هذا الصراع هو الذي يخلق التوتر والقلق ، ومن ثم لا
يطيقها الإنسان ، فيلجأ إلى ما يسمى بالكبت . إذا الكبت هو عملية لا شعورية ، تحدث
بصفة آلية ، ويتم فيها نقل الأفكار والخيرات من دائرة الشعور إلى دائرة اللاشعور ،
أي من دائرة الوعي إلى دائرة اللاوعي ، ويتم فيها حل الصراع ، وتجنب القلق والتوتر
، ويمكن اعتبارها عملية نسيان آلي للأفكار والنزاعات ، هذا النسيان يصاحبه إنكار
أصلا .
مثال : إذا أحسست برغية في مصاحبة إحدى الفتيات ، وامتنعت عن ذلك
لظروف اجتماعية أو شخصية ، فهذا ليس كبتا ، لأنك ادركت رغبتك وتحكمت بها ، أما إذا
أنكرت أصلا أنك ترغب في مصاحبتها ، فإن إلغاء الاعتراف بهذه الرغبة في وجودها في
اللشعور بعينه ، إذن الكبت هو العملية التي يتم بها محو الأفكار والاندفاعات التي
تؤلم وتحزن وتخيف الفرد ، من الشعور إلى اللاشعور ، بمعنى عملية إنكار المشاعر
التي تبدو قاسية ، وهروب من الواقع المؤلم .
ومن أبسط السلوك الدال على عملية الكبت ما يلي
:
1- النسيان الآلي ، كنسيان ميعاد طبيب
الأسنان لتجنب الألم عند خلع الضرس.
2- عدم زيارة أخ لأخيه بدون مبرر ، وذلك لشعوره بمحبه شديدة لزوجه
أخيه مثلا ( إحدى المحرمات ) ، فقام بعملية الكبت ، ولو لم يقم بها لما استطاع أن
يستمر في احترام ذاته ، التي تجرأت وانتهكت واشتهت المحرمات .
3 – عدم إباحة الطفل بمشاعره العدوانية ، نحو أبيه ، فيقوم بعملية
الكبت ، فينكر على نفسه تلك المشاعر ، لأنه لو اعترف بها لحطم المثل التي تربى
عليها .
4 – أحيانا قد يصل الكبت إلى سلوك مرضي ، فمريض الوسواس القهري مثلا
، لا يقوم بأعراض هذا المرض إلا نتيجة لكبت ميول جنسية مثلية ، يكبتها كبتا غير
ناجحا ، فتستمر تلك الميول تلح للإشباع .
علاقة الكبت بعملية المقاومة :
تعتبر عملية المقاومة هي العملية المكملة لعملية الكبت ، وهي الحاجز
النفسي ضد إخراج أو ظهور المؤثرات اللاشعورية إلى دائرة الشعور . ولكن عدم ظهور
هذه المؤثرات وبقائها في اللاشعور ، لا يعني عدم ظهورها إلى الشعور مرة أخرى ،
وإنما تأجيلها أو إخفائها لتجنب الصراع المؤلم ، وليبقى سلوك الفرد مقبولا
اجتماعيا وأخلاقيا ، وتبقى في عمل دائب ومستمر ، محاولة الخروج إلى الشعور ، مرة
أخرى ، فيقاومها الإنسان حتى لا تشوه فكرته عن نفسه وتخل بتقاليده ، وتزعج راحته النفسية
.
وظائف عملية الكبت في الحياة النفسية :
ولعملية الكبت وظيفتين أساسيتين في الحياة
النفسية :
1 – وظيفة وقائية :
وهي تقي الفرد مما يؤذيه أو يؤلمه ، أو لا يتفق مع فكرته عن نفسه ،
أو لا يتفق مع مثله الاجتماعية والجمالية والخلقية ، وما يمس احترامه لنفسه ،
بمعنى وسيلة لخفض التوتر النفسي .
2 – وظيفة دفاعية :
وهي تمنع الدوافع الجنسية أو العدوانية من أن تفلت من زمام الفرد ،
وأن تتحقق بالفعل بصورة ظاهرة ومباشرة ، فتكون خطرا على الفرد نفسه ، أو تكون ضارة
بصالح الفرد في المجتمع .
مما سبق يتضح أن تحديد كيفية عملية الكبت هي أن تقوم " الأنا
" باستبعاد الذكريات أو الأفكار أو الدوافع من منطقة الشعور إلى منطقة
اللاشعور ، غير أنها لا تموت ، بل تظل حية نشطة ، تعمل على ظهورها لمنطقة الشعور
مرة أخرى ، إلا أن قوى المقاومة تظل حائلا بينها وبين أن تصبح شعورية ، فتضطر هذه الذكريات
أو الأفكار أو الدوافع إلتماس الإشباع بغير الطريق الصحيح المباشر ، إشباعا محرفا
مقدما ، فتظهر بصورة هفوة أو حلم أو مرض نفسي .
إن عملية الكبت ، ما هي إلا استبعاد لكل ما من شأنه إيلام الأنا ،
وخاصة استبعاد الغرائز والدفعات الجنسية والعدوانية ، والتي دوما تحاول التعبير عن
نفسها ، مما يجعلها تصطدم بقيم المجتمع ، والقوة التي تمنعها من التعبير عن نفسها
هي ( عملية الكبت ) . وأن هناك رغبات تريد الإشباع في الواقع ، ولكنها منافية لهذا
الواقع ، فيقوم الفرد باستبعادها لاشعوريا ... وكلما زادت عملية الكبت ، كلما زادت
مخاطر انفجار الفرد ، لأن الكبت يستمد طاقته من النشاط النفسي الداخلي التي يتطلب
توجيهها إلى الخارج لتحقيق الأهداف .
فمثلا لو تصورنا شخصا يتعرض لاحباطات وتوترات باستمرار ، وفي نفس
الوقت لا تتاح له الفرصة للتعبير عن ذاته واقعيا ، فنجده يلجأ للتعبير عن ذاته
خياليا ، ويتفاعل مع المواقف كما لو كان في الواقع ، فقد نجده يتكلم مع نفسه ، لأن
صلته بالواقع انقطعت .
ومن المفروض أن توجه طاقة الفرد داخليا وخارجيا ، ولكن نتيجة لكثرة
الاحباطات ، ولعدم إتاحة الفرصة له للتعبير عن ذاته ، فقد استهلك جميع طاقته
الداخلية لمواجهة الإحباطات والتوترات والتي يجب أن يوجهها إلى الخارج ، فقام
بسحبها وتوظيفها داخليا ، مما أدى إلى انقطاع صلته واقعيا بالواقع . كشكل البالون
، فحينما نبدأ بنفخ البالون ، تكون كمية الهواء الموجودة داخلة قليلة ، حتى لو
ضغطنا على البالون بشدة ، ولكن كلما زاد نفخ البالون ، كلما زاد حجمها ، وبالتالي
يزداد ضغط الهواء الداخلي ، وتقل قدرة الجدار الخارجي على تحمل الضغط ، وقد ينفجر
البالون تحت تأثير أقل عامل خارجي بسيط ( مثل القشة التي قسمت ظهر البعير ) ،
وهكذا بالنسبة للإنسان ، فكلما كان حجم الضغوطات التي يتعرض لها بسيطة ، كلما
استطاع أن يقاومها ، بل ويتخلص منها بشكل سهل جدا ، وبدون مجهود ، لأن قدرته لم
يتم استنزافها في أي من الضغوط أو الظروف .
الفرق بين عملية الكبت وعملية القمع :
1 – عملية الكبت :
هي عملية لاشعورية ، وغير مقصودة ، تصدر عن الفرد دون قصد أو إرادة ،
تبعد عن الفرد مشاعر التوتر والقلق والذنب والنقص والخجل ، وتظهر في مرحلة الطفولة
نتيجة لتكرار الدافع ، مع عدم إشباعه ، فيؤدي إلى كبته .
2 – عملية القمع :
هي عملية شعورية ، يتم فيها منع الرغبات أو النزعات غير المستساغة ،
تحدث تحت إرادة ووعي الفرد ، ويقوم بها جهاز " الأنا " بتأجيل الدافع ،
أو التعبير عنه ، إلى أن تتهيأ الظروف المناسبة لهذا الإشباع ، أو لهذا التعبير ،
ولا تظهر في مرحلة الطفولة ، لأن ظهورها يحتاج لجهد وضبط نفسي يفتقد إليها الطفل (
كما يحدث للموظف عندما يكتم غيظه أمام رئيسه ، طالما في حضرته ، حتى إذا انصرف عنه
، إنهال عليه بأقبح الشتائم الممزوجة بأسوأ الإهانات وأسوأ التجريح .
المصدر : د. أنور حمودة البنا , الامراض النفسية و العقلية ,الطبعة الأولى , 2006
رابط تحميل : انواع الحيل الدفاعية النفسية pdf