تاريخ العلاج النفسي و تطوره مع العصور pdf
1-
تاریخ العلاج النفسي وتطوره عبر العصور:
لقد شهد العلاج
النفسي عبر العصور المختلفة العدید من التطورات، بحیث تعددت أسالیبه واختلفت باختلاف
التوجهات النظریة التي تبناها الباحثون والعلماء في هذا المجال وفي ما یلي سنذكر
أهم هذه التطورات:
1-1 العلاج النفسي و تطوره عبر العصور
لقد بینت الدراسات
إرجاع الأمراض النفسیة والعقلیة إلى قوى فوق الطبیعة، فقد كان سائدا لدى المصریین
القدامى أن الأمراض تنشأ من غضب الآلهة أو من تأثیر أرواح الموتى وتقمصها لجسد المریض
وامتلاكه ، وهنا یأتي دور الطلاسم والسحر لطرد هذه الأرواح والقضاء علیها واستعملت
التعاویذ والرقیة ، أما عند العرب فقد وجدت العدید من التوسلات والتضرعات الكثیرة
إلى الآلهة بقصد الحصول على الصحة والعافیة والشفاء من الأمراض التي نزلت
بالمتوسلین ، حیث كانت علاقة وثیقة بین الكهانة الجاهلیة والطب ، فالسحرة والكهنة
مارسوا الطب وعالجوا المرضى عن طریق السحر و الدعاء وكانت ابرز وسائل العلاج عند
العرب أثناء الجاهلیة الكي بالنار، لاعتقادهم كغیرهم من الأمم السابقة أن سبب الأمراض
التي تصیب الإنسان عبارة عن أرواح شریرة وبالتالي المشعوذین والسحرة والرقاة هم المسؤولین
عن شفاء المرضى من شرورهم، هذا وكان الجنون في العصور القدیمة بل وحتى في العصور
الوسطى ظاهرة تجریبیة دنیویة تقترن بحالة من الشذوذ والانحراف تستوجب من المجتمع
العمل على اتخاذ إجراءات امن ضدهم، وبالتالي التعامل مع المرضى الفعلیین إما
بالإقصاء أو الحبس أو تحدید الإقامة، وغیر ذلك من أسالیب الدفاع والتحصین(
محمد،2008،ص43.)
كما وانتشرت في
العصور الوسطى في أوروبا فكرة طرد الشیطان، هذا وارتبط بها ظهور المسیحیة، واعتبروا
أن شفاء المرضى یكون بالطریقة التي اتبعها المسیح علیه السلام والتي تتماشى مع
المبادئ العلاجیة في علم النفس، لأنها تستوفي شرطین أساسیین هما: إیمان المریض
(الدافعیة)، وقوة نفس المعالج وكان الاعتقاد السائد آنذاك أن الشیاطین والأرواح
الشریرة تسكن أجسام الناس وتسبب لهم الصرع والجنون، ویعرف هذا النوع من العلاج
بالعلاج بالكرامة.
2-1
العلاج النفسي في الثقافة العربیة
الإسلامیة:
عرفت الثقافة
الإسلامیة نمطین من العلاج هما الطب النبوي والطب الإسلامي، فأما الطب النبوي فهو مجموعة
من الأحادیث الشریفة الخاصة بالمرضى والتي تحتوي على وصفات لعلاج بعض العلل
والأمراض، والرسول صلى االله علیه وسلم هو القائل أنتم أعلم بأمور دنیاكم، وبهذا
أشار إلى الاعتماد على ما یختص بمهنة الطب، وتناول الطب النبوي الصرع والجنون،
فكان الرسول صلى االله علیه وسلم یعالج المصابین بالصرع بآیة الكرسي ویأمر من
یعالج بها بقراءة المعوذتین.
أما الطب الإسلامي
فهناك من یرجعه في قیمه وتعالیمه وأصوله إلى المعتقدات الإسلامیة النابعة من القرآن
والسنة.
إن معاملة المرضى من
طرف العرب أثناء الإسلام اختلفت كثیرا عن معاملتهم من طرف الغرب وذلك راجع لعدة
أسباب أهمها
:
1-
أن العقیدة الإسلامیة تنهى عن قتل النفس التي حرم االله قتلها إلا
بالحق، وكذا المعاملة الإنسانیة للآخرین.
2-
تأثر الأطباء العرب برواد الیونان في الطب من أمثال أبقراط وجالینوس،
ویبدو ذلك واضحا في فلسفة ابن سینا.
3-
اهتمام الخلفاء المسلمین والحكام العرب بالعمران، ویدخل في ذلك
اهتمامهم بإقامة المستشفیات، ولعل تاریخ البیمارستانات ( دار المرضى) خیر مثال على
ذلك.
4-
اهتمام الإسلام بالعلاج النفسي واتضح ذلك من خلال النقاط التالیة:
أ -للمریض حق في العیادة، حیث شدد الرسول صلى االله علیه وسلم بقوله
في الحدیث القدسي:" إن االله عز وجل یقول یوم القیامة: یا ابن آدم مرضت فلم
تعدني، قال یا رب كیف أعودك وأنت رب العالمین؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض
فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده".
ب -ركز الإسلام على صلابة النفس وعدم الیأس والضعف، ولعل الفلسفة
ناتجة من أن صلابة النفس كثیرا ما تساعد على شفاء المریض.
ج- مهما اشتدت الأزمات الصحیة لا یجوز للفرد أن یفكر في التخلص من
حیاته، بل لا یجوز له أن یتمنى الموت.
3-1 العلاج النفسي في عصر النهضة:
بالرغم من التقدم
العلمي الذي تم إبان هذه الفترة من خلال اختراع المیكروسكوب، واكتشاف دورة الدم،
ودوران الأرض حول محورها وتأسیس علم الطبیعة على ید نیوتن، إلا أن الأمراض العقلیة
وعلاجها ظلت بعیدة عن مجال البحث والدراسة والاستطلاع، وظل المرضى بأمراض عقلیة
یعانون من الاضطهاد والقسوة.
لكن نجد العدید من
الذین تحدوا هذه الأفكار مثل باراسیلیوس الذي نادى بضرورة التعامل مع المرضى
العقلیین ومارس علاجا یعتمد على مغناطیسیة الجسم عرف فیما بعد بالتنویم
المغناطیسي، واعتمد على تأثیر القمر والأفلاك في الإنسان، وقد جمع بین المعتقدات
المیثولوجیة في عصره وبین الطب(محمد،2008،ص49)
كذلك جهود جوهان
وایر 1515-1588 والذي قاد حملة ضد أعمال الشعوذة وتعذیب مرضى العقل، ٕ حراقهم، وكان
وایر أول طبیب متخصص في الأمراض وأصدر كتابا شرح فیه أسالیب تعذیب المرضى وا العقلیة،
حیث أن له خبرة واسعة تؤهله لأن یكون مؤسس علم النفس المرضي الحدیث، ویتمتع بحس إكلینیكي
ساعده على وصف أمراض كثیرة، كذهان التسمم وذهان الشیخوخة والصرع والبارانویا
والاكتئاب، وأدرك أهمیة العلاقة بین المعالج والمریض، وأهمیة المبادئ العلمیة في
الفحص والملاحظة الإكلینیكیة ( سامي،2001،ص ص52-53.)
وحتى نهایة القرن
السادس عشر لم یكن العلاج النفسي قد ظهر بشكل العلمي المقبول، فمع بدء عصر النهضة
بدأت تظهر القواعد الأساسیة للعلم الحدیث والمبنیة على عناصر الملاحظة والتجربة والقیاس،
ویمكن القول أن عام 1975 قد شهد البدایة الحقیقیة لمولد علم النفس كعلم منفصل عن
العلوم الدینیة، فقد قام الطبیب أنطوان مسمر أحد رواد حركة التنویر في العصر
الثامن عشر بتحدي احد أشهر الكهنة المسیحیین المشهورین بالعلاج النفسي، وبدأ
بمقارنة نتائج علاجاته بالتنویم المغناطیسي بنتائج الكاهن والمعتمدة على طرح
الأرواح والتعاویذ، وأثبت أن نتائجه أفضل بكثیر من نتائج هذا الكاهن، إذ كان یدعو
إلى أهمیة التركیز على السببیة في المرض وعدم القبول بمبدأ الخرافات والموروثات
العمیاء، وكان لدیه القدرة على إعطاء أسباب عقلیة وعلمیة مقبولة للمرض النفسي، ومع
انه أقام دعائم التنویم المغناطیسي ودفع به
بعیدا عن مهنة طاردي الأرواح ورجال الدین، إلا انه كان مفرط الحماس، وتصور انه قد
توصل للعلاج الشافي لكافة الاضطرابات النفسیة والعقلیة.
حركة كلیفورد بیرز:
والذي كان طالبا في كلیة الطب، ثم أصیب بمرض عقلي(جواز الانتحار) حیث دخل إلى
المستشفى ومر بطرق مختلفة من العلاج والسائدة آنذاك، فكتب ذكریاته عن هذه الفترة
في كتاب نفسه وجد عقل: بعنوان
A
mind that found it self
والحركة الإصلاحیة تزعمها بیرز تتلخص في الأهداف التالیة:
1-
العمل على تغییر الاعتقاد السائد بأن الأمراض العقلیة لا یمكن علاجها.
2-
العمل على اكتشاف الأمراض العقلیة في مراحلها الأولى للوقایة منها قبل
أن تصبح مستعصیة.
3-
تحسین الظروف الموجودة بالمستشفى ومعاملة المرضى معاملة إنسانیة وقد
ساعد نمو العلوم في أوائل القرن الثامن عشر في مجالات التشریح والفسیولوجیا
والأعصاب والكیمیاء والطب العام على الكشف عن الجوانب العضویة في المرض والتي تسبب
الأعراض الجسمیة، وقادت تلك الأبحاث إلى إظهار حقیقة المرض العقلي مثله مثل أي مرض
آخر له الباثیولوجیا العضویة في المخ، وقد تأكد ذلك الاتجاه على ید فون هاللر
1708-1777 في أبحاثه حول أهمیة المخ في الوظائف النفسیة وأن الأمراض العقلیة یمكن
تفسیرها في ضوء باثیولوجیا المخ.
ثم جاء كریبلن
1856-1926 لیقدم تصنیفا ووصفا للمرض العقلي، وحدد أسبابه وأعراضه وعلاجه ومآله،
ووصف أعراضا أهمها ذهان الهوس والاكتئاب والفصام، وأدخل علم النفس الفسیولوجي،
وأبرز أهمیته في مجال العلاج النفسي، وأقام معهد للبحوث به قسم خاص لعلم النفس
التجریبي والمرضي، ویعتبره الكثیر من المؤرخین لتاریخ العلاج النفسي " أبو
الطب النفسي الحدیث" .
وقد ازدهر في هذه
الفترة أیضا علم الأعصاب حیث تم التركیز على الجوانب العصبیة وأثرها في إحداث المرض
العصبي، ولذا فإن الفحص والتشخیص والعلاج قد أصبحوا أكثر دقة، وبذلك انفتح المجال وتراكمت
المعلومات حول طبیعة وعلاج الأمراض العقلیة والنفسیة والعصبیة (محمد، 2008،ص ص50 –
51 )
كذلك جهود شاركو
1825-1893 التي أسهمت إسهاما واضحا في تقدم العلاج النفسي، حیث ركز اهتمامه-هو
وتلامیذه- على مرض الهستیریا مستخدمین التنویم الإیحائي في العلاج.
وحظیت دراسة اللاشعور
باهتمام بالغ خلال أواخر القرن التاسع عشر، والتي بدأها شاركو من خلال دراسته
لحالات الهستیریا وعلاجها بالتنویم المغناطیسي، وافتتح سجموند فروید 1856-1939
القرن العشرین بنظریاته في اللاشعور ومكونات الجهاز النفسي و میكانیزمات الدفاع،
والنمو الجنسي عند الإنسان، وكذا اهتمامه بدراسة كل ما یصدر عن الإنسان من خلال
مبدأ الحتمیة والمعنى والدلالة كالهفوات وزلات اللسان والقلم والأحلام، وكذا
النشاط الإبداعي والجنسي والعدواني.
والعلاج في التحلیل
النفسي التقلیدي ینهض على طریقة التداعي الحر والتفریغ الانفعالي وتحلیل الأحلام
وتفسیر المقاومة والتحویل....الخ، والعلاج عن طریق التحلیل النفسي یستغرق وقتا
وجهدا، أي أنه أحد الأشكال النفسیة المكلفة التي قد لا تتاح إلا للمیسورین، والهدف
الرئیسي من التحلیل النفسي هو إعادة تنظیم بناء الشخصیة، وهذا یشمل زیادة مساحة
الاستبصار أو التكامل الشخصي والفاعلیة الاجتماعیة والنضج النفسي، وبغض
النظر عن هذه الانتقادات – حیث یشترط مثلا في المعالج أن یمر بخبرة التحلیل تحت
إشراف محلل نفسي آخر مثلا.
ثم حدثت حركة انشقاق
على فروید من تلامذته وطرأت تعدیلات على نظریته فیما یسمى بالفرویدیین الجدد، حیث
أسس ألفرد ادلر 1870-1937 نظریته المعروفة باسم علم النفس الفردي، فركز على الصدمات
النفسیة والمؤثرات الثقافیة والاجتماعیة، وأدخل العدید من المفاهیم الجدیدة مثل:
أسلوب الحیاة وعقدة النقص، واهتم في العلاج بالتخلص من عقدة النقص وتعدیل أسلوب
الحیاة من خلال اهتمامه بالأنماط الثقافیة والتربویة والاجتماعیة السائدة رافضا-
مثل غیره الحتمیة البیولوجیة التي حتم بها فروید مصیر الإنسان
وأسس كارل یونغ
1870-1961 مدرسة علم النفس التحلیلي، وقدم نظریة الطاقة النفسیة، واهتم بالدین والمسائل
الروحیة واستخدم في العلاج طریقة التداعي الحر وتداعي الكلمات ، وأدخل العدید من المفاهیم
مثل اللاشعور الجمعي والنماذج الأصلیة، واهتم بالدین والمسائل الروحیة، وطور هذه
المفاهیم في العلاج النفسي، كما حدد الأنماط النفسیة المعروفة (الانبساط- الانطواء)
أما كارن هورني
1855-1952 فقد اهتمت بالاتجاهات العصابیة، وركزت على العلاقات الاجتماعیة ٕ عادة
تربیة وتعلم الفرد كیف یتعامل مع الآخرین كأحد المداخل العلاجیة الهامة في السلیمة
في العلاج، وا هذا الصدد.
وهكذا نجد العدید من
الفرویدیین الجدد الآخرین أمثال أتورانك، هاري ستاك وسولفیان قد اهتموا بالطبیعة الثقافیة،
وكل منهم قد ساهم في إضفاء تعدیلات في نظریة فروید الأصلیة.
ثم نشطت حركة القیاس
النفسي، حیث أصبحت الاختبارات النفسیة الآن من أهم الأدوات التي یلجأ إلیها المعالج
النفسي، حیث تساعده في عملیة التشخیص وتحدید جوانب الاضطراب لدى الشخص المریض.
كذلك ساهمت الحرب
العالمیة الأولى في ظهور العدید من البحوث التجریبیة والإكلینیكیة التي أدت إلى
اكتشاف بعض الطرق العلاجیة، مثل علاج غیبوبة الأنسولین على ید ساكیل أو علاج
الرجفة الكهربائیة على ید سیرلیتي وبیني وجراحة الفص الجبهي، ونما علم الطب النفسي
العصبي، وأصبحت المستشفیات وحدات علاج نشطة أكثر منها مراكز للرعایة فقط.
كما ساهمت الحرب
العالمیة الثانیة في نمو تیار الاختبارات النفسیة الجمعیة، وظهور أفكار جدیدة، مثل
العلاج النفسي الجماعي والعلاج النفسي المختصر، والتوجیه والإرشاد النفسي والتربوي
والمهني...الخ(محمد حسن غانم)
إن المهتم بالإطلاع
على بعض مناهج وأنواع العلاج النفسي سیجد أنواعا متعددة ومختلفة: كالتحلیل النفسي
والعلاج العقلاني، العلاج الجشطالتي والوجودي والعلاج السلوكي وغیرها من العلاجات
وسنحاول تقدیم نظرة موجزة عن تطور العلاج النفسي من خلال الجدول التالي:
جدول رقم (01)یوضح مراحل التطوریة الرئیسیة للتدخل العلاجي ( أدیب،
2015)