يعتبر علم النفس الفسيولوجي أحد فروع علم النفس الذي يهتم بالدراسة والتحليل
الأسس الجسمية والعصبية التي تسهم في تشكيل السلوك الإنساني، ويشكل الجهاز العصبي
للإنسان: تركيبه ووظيفته، الوحدات العصبية، مراكز الوظائف العقلية والجسمية في
المخ المحور الأساسي في هذا التخصص من تخصصات العلوم الإنسانية.
وهناك
رابطة وثيقة بين الجانب السيكولوجي عند الإنسان والنواحي الفسيولوجية، فجسم
الإنسان يعمل داخليا على الاحتفاظ بحالة مستمرة من الاتزان هو الاتزان الحيوي ، فالحرارة
والتغذية والأوكسجين مثلا تنظم بطريقة أوتوماتيكية لكي تحافظ على بقاء الفرد
وحياته.
والإنسان
من المحتم عليه أن يشبع حاجات بيولوجية وفسيولوجية كالحاجة إلى النوم، والحاجة إلى
الطعام والماء.. والإفراط والتفريط قد يؤدي بحياته ويساعد على التوازن الحيوي في جسم الإنسان
الغدد الصماء والجهاز العصبي ، إذن ما
هو علم النفس الفسيولوجي؟
تعريف علم النفس الفسيولوجي
يعكس
علم النفس الفسيولوجي آخر المراحل في تطور علم النفس المعاصر، وهو فرع من فروع علم
النفس يقع على الحدود الفاصلة بين علم النفس وعلم وظائف الأعضاء (الفسيولوجيا)،
حيث يهتم علم وظائف الأعضاء بدراسة وظائف الكائن الحي سواءا كان إنسان أم حيوان أم
نبات ، أي كيف تقوم خلايا الجسم و أعضائه و أجهزته بوظيفتها .
حيث
يقدم علم النفس الفسيولوجي لعلم النفس الأساس الفسيولوجي لأنواع السلوك المختلفة
بحيث يكتمل فهمها، ويقدم لعلم وظائف الأعضاء تفسيره أنواع السلوك التي لا تفهم إلا
في ضوء المعنى العام للسلوك الإنساني .. ويعرف علم النفس الفسيولوجي كم يلي:
منهج
علمي لدراسة سلوك الكائن الحي وعلاقته بالجهاز العصبي
هو فرع
من فروع علم النفس يهتم بدراسة الأسس الفسيولوجية للسلوك الصادر عن الإنسان.
هو العلم الذي يدرس العلاقة الارتباطية
بين الأجهزة التنظيمية (كالجهاز العصبي وجهاز الغدد )من جهة، والسلوك (العمليات
العقلية، سمات الشخصية ) من جهة أخرى، والتأثير المتبادل بينهما.
الفرق بين علم النفس الفسيولوجي وعلم الفسيولوجيا (علم وظائف الأعضاء):
إن الهدف النهائي لعلم وظائف الأعضاء هو
معرفة كيفية عمل أجهزة الجسم ليس فقط من الناحية الكيميائية، ولكن أيضا من الناحية
التشريحية والناحية الفيزيائية.
أما علم
النفس الفسيولوجي فهو لا يهتم بعمل أعضاء الجسم وأجهزته المختلفة في حد ذاتها،
وإنما يستخدم بعض المعلومات المستقاة من علم وظائف الأعضاء وعلم التشريح وعلم
الكيمياء الحيوية وفروع أخرى، بالإضافة إلى الجوانب النفسية بهدف فهم سلوك الأشخاص
والتنبؤ به .
فعلم
النفس الفسيولوجي يهتم بعمل أعضاء الجسم وأنسجته المختلفة، إلا لكي يضعها في إطار
أشمل لفهم السلوك، فهو مثلا: يدرس بعض مفاهيم الوراثة لكي يستخدمها في فهم الفروق
الفردية، ويدرس الجهاز العصبي لكي يقف على الخصائص العصبية التي تساعد الفرد في
التعلم مثلا .
و
كخلاصة فإن علم النفس الفسيولوجي يهتم بعلم وظائف الأعضاء و ما يتعلق به من علوم ،
بقدر ما يساعده ذلك في فهم السلوك الإنساني و التنبؤ به .
تطور علم النفس الفسيولوجي
أول من
أدخل هذا المفهوم علم النفس الفسيولوجي إلى
التراث السيكولوجي في نهاية القرن 19، هو مؤسس علم النفس الحديث و أول مختبر تجريبي
في علم النفس، الفيلسوف والطبيب والسيكولوجي والفسيولوجي الألماني ويليام فونت Wundt 1832 – 1920
فالبداية
الحديثة لعلم النفس الفسيولوجي، بوصفه دراسة علاقة السلوك المتكامل بالوظائف
البدنية المتنوعة إلى العالم النفسي الشهير فونت، فهو الذي أطلق هذا الاسم على ذلك
الفرع من الدرسة، عندما أسس
معمله السيكولوجي في ليبزج عام 1879.
وقد
ازدادت المعلومات بتركيب و وظيفة الجهاز العصبي إلى الثلث الأول من القرن التاسع
عشر بفضل جهود وعبقرية عدد من العلماء، أبرزهم سير تشارلز بل، وما جندي، وفلورنز،
ورولاندو، ومارشال هول.. هؤلاء الذين كشفوا عن التمييز بين الأعصاب الحسية
والحركية، وبينوا نوعية الدفعات العصبية، وحقائق الإحساس (بل) ومراكز المخ
(فلورنز) والتمييز بين الأفعال الإرادية والمنعكسة (هول).
وفي
الفترة ما بين 1833 حتى إنشاء معمل علم النفس التجريبي في ليبزج.. وضعت دعائم علم
النفس الفسيولوجي على أيدي موللر وهلمهولتز وفيير وفخنر، فقد زادت المعرفة
التفصيلية بتركيب ووظيفة كل وحدة عصبية بمفردها.
ونشأت
بعد ذلك المدرسة السلوكية ومن روادها وولي و آیزنك وقد إسهامات قيمة أيضا في مجال
علم النفس الفسيولوجي.
وعلى
الرغم من أن علم النفس الفسيولوجي يعتبر من العلوم الحديثة التي ظهرت في بداية
القرن التاسع عشر، إلا أنه لم يحظ بذلك الاهتمام الكبير ولم يبرز بشكل واضح إلا في
بداية القرن العشرين بسبب
الاكتشافات
العلمية والتقنيات الهائلة الحديثة، وأساليب إجراء التجارب التي ساهمت في إرساء
قواعد هذا العلم وتحديد إطاره بشكل جيد.
وتمتد جذور هذا العلم إلى عصر أرسطو، الذي
اعتقد خطأ بأن المخ يعمل كمضخة لتبريد الدم، وأن عمليات التفكير كانت تحدث في
القلب، وقد جاء بعده جالینوس ليصحح هذا الخطا فوقع في خطا علمي هو الآخر، إذ تصور
بأن الأعصاب ما هي إلا أنابيب مجوفة مملوءة بالعديد من السوائل، وأنه عند تحرك هذه
السوائل باتجاه العضلات فإن الأخيرة تنتفخ وتقصر مما يؤدي إلى انقباضها.
وقد استمرت هذه النظرة شائعة وسائدة إلى
غاية القرن الثامن عشر، حيث بدأ العلماء يتكهنون بالدور الذي يمكن أن تلعبه
الكهرباء في وظائف الجسم.
وقد
ازداد الاهتمام من ناحية أخرى بدراسة الكهرباء كظاهرة فيزيائية وكيميائية حيوية.
ومع ذلك ورغم التطور الحاصل إلا أن المعلومات بقيت ناقصة لعدم توفر التقنيات
والأدوات اللازمة لتشريح الدماغ والتعرف على مكوناته وأجزاء المخ وخصائصه ووظائفه.
وبعد
اكتشاف الميكروسكوب (المجهر) والكهرباء، فقد أصبح من السهل على الباحثين التجرؤ
على اقتحام الجمجمة المغلقة والتعرف على أسرارها، وعلى كيفية تركيب الدماغ وعمل
المخ وتأثيره على السلوك الإنساني.
ويمكن
النظر إلى اكتشاف القوى الحسية التي تتميز بما الحواس، بواسطة جوهانس مولر سنة
1930 على أنها البداية
الفعلية لعلم النفس الفسيولوجي الحديث.
وتشير وجهة نظر مولر
إلى أن طبيعة الأحاسيس تعتمد أساسا على الصفات المميزة للعصب الذي تتم استثارته.
ويعني ذلك أن هناك أعصابا ذات مهام متخصصة، وأن وظيفة كل عصب منها هي الاستجابة
لمثير (منبه) معين.
وقد جاء بعد مولر
هلمولتز الذي أشار بوجود نظام عصبي لاستقبال الأحاسيس، وحاول الربط بين الأنسجة
العصبية ومجمل الأحاسيس على اختلاف أنواعها ومستوياتها. وقد حدث هذا التقدم في
الوقت الذي لم يكن الأطباء قد توصلوا فيه بعد إلى تحديد مناطق ومراكز الأحاسيس في
المخ.
وقد قام علماء كثيرون
بعد ذلك بالحديث عن تحول المثيرات الحسية إلى طاقة مثل الموجات الصوتية والسمعية
والموجات الضوئية البصرية وغيرها، مما ساعد في الكشف والتعرف على طريقة انتقال
الأحاسيس وعمل الأعصاب، ، كما ساهم في التأكيد على أن
عملية الإحساس لا تنتهي في خلايا الاستقبال بالمخ، وإنما تكمن العمليات الهامة
للأحاسيس وعمل الأعصاب بمنطقة اللحاء المخي على وجه الخصوص
كذلك
ساهم في مساندة العلم الجديد وإرساء قواعده وتدعيمها على أسس علمية تعتمد على
الدراسات التجريبية ونتائج البحوث المعملية عدد من العلماء الذين أثروا مجاله
وطوروا مناهجه وعددوا من أوجه نشاطاته.
وقد
اهتم هؤلاء العلماء بوجه خاص بدراسة الجهاز العصبي ومكوناته ووظائفه، وعلاقة عمل
أجزاء المخ بالسلوك العقلي والنشاط العام للكائن الحي، وبدراسة أثر تلف بعض أجزاء
المخ على الوظائف العقلية والنفسية، وتأثير الغدد على استثارة السلوك وكفه.
مواضيع و إهتمامات علم النفس الفسيولوجي
موضوع
علم النفس الفسيولوجي هو دراسة العلاقة بين الجهاز العصبي والسلوك، وهو بشكل أعم
دراسة العلاقة بين السلوك المتكامل الكلي وبين الوظائف البدنية المتنوعة.
وتسهم
دراسة أعضاء الحس والأعصاب والغدد والعضلات من الوجهة التشريحية والفسيولوجية في
فهم الإنسان ككل، ويحتاج المتخصص في علم النفس إلى فهم أبنية الجسم ووظائفها فهما
تاما، قبل أن يشرع في دراسة عوامل السلوك
إذا كنت مهتما بالاطلاع على المزيد من مواضيع علم النفس الفسيولوجي ننصحك بالاطلاع على كتاب محاضرات علم النفس الفسيولوجي
إسهامات علماء المسلمين في علم النفس الفسيولوجي
في
القرن الثامن والتاسع ميلادي ازدهرت الحياة في الدولة الإسلامية ونشطت العلوم
المختلفة، ويشهد التراث العلمي والطبي الإسلامي على إسهامات علماء المسلمين في
العلاج والطب النفسي، والأمراض النفسية والسيكوسوماتية والفسيولوجيا، ولهم إسهامات
كثيرة في مجال الجراحة وعلومها، وعلم التشريح، وفيما يلي تلخيص لبعض إسهامات
العلماء المسلمين:
يعد
الطبيب المسلم "أبو بكر الرازي" هو أول من وصف في كتابه " الحاوي
" الفرع الحنجري الراجع للعصب الصاعد، والأعصاب المغذية الأصابع اليد بدقة.
أما
"ابن رشد" فقد وصف في كتاب "الكليات" تشريح العين وصفا دقيقا،
وذكر أن العين مرتبطة بالدماغ وأغشيته، وقد نبه الطبيب عند قيامه بالتشخيص أن يركز
على مساءلة المريض عن كل ما يمكن أن يتولد عنه علته من داخل من خارج، وعدم إغفاله
للرجوع إلى التاريخ المرضي وهذا يعد من أهم وسائله.
و"الحسن
بن الهيثم" رائد علم البصريات شرح فسيولوجيا الإبصار وعدل الفهم الخاطئ
المنقول عن "جالینوس" حول كيفية حدوث الإبصار .
أما
"الزهراوي" فقد احتوى كتابه المسمى "التصريف" خلاصة الخبرات
والمعلومات والتطبيقات المتعلقة بعلم
الجراحة الطبية كالمعلومات عن جراحة العيون و جراحة الأنف ...الخ
وكذلك
الطبيب الفيلسوف "ابن سينا" وهو سابق عصره بمراحل عدة فإن كتابه الموسوعي
الطبي (القانون) يعد مرجعا في الطب، وكان يدرس في جامعات فيينا حتى القرن التاسع
عشر الميلادي، وفيه الكثير من التفاصيل الوافية عن العظام والمفاصل والعضلات وكثير
من المعلومات الطبية الأخرى.
وسائل البحث في علم النفس الفسيولوجي
يستخدم
المتخصصون في علم النفس الفسيولوجي طرقا كثيرة لدراسة عمليات السلوك، فإذا كانت
المشكلة في جوهرها تحديد مدى ما يسهم به جزء معين من الجهاز العصبي العضلي من
الوجهة الوظيفية ، كان من الميسور استعمال هذا الجزء، ثم مقارنة
تغيرات السلوك بعد الاستئصال بما كان من مظاهره قبله ، أو كان من الجائز أيضا
تنبيه هذا الجزء كهربائيا مع ملاحظة تغيرات السلوك المصاحبة، أو قد تكون المشكلة
أحيانا الوصول إلى معرفة المراكز المعدلة الكبرى المشتركة في نشاط ما، فهنا يمكن
إثارة هذا النشاط بينما تفحص أجزاء الدماغ المتنوعة بقصد استكشاف العلاقات
الكهربية للنشاط المرتفع، هذه الطرق الثلاث تكاد تكون مقصورة على مجال التجريب على
الحيوان. ولكن بدأ حديثا تطبيقها على الإنسان، وكثيرا ما يكون الترابط بين تغيرات
السلوك والإصابات المرضية ذا عون في تشخيص الأمراض، كما يشاهد في العلاقة بين
الحبسة والأفازيا (فقد أو صعوبة النطق) وموقع الإصابة بأورام المخ، والهلاوس
السمعية وعلاقتها بالفص الصدغي، والهلاوس البصرية وعلاقتها بالفص القفوي،
والعدوانية والاندفاع وعلاقته بالفص الجبهي والصدغي.. إلخ.
وقد
تعددت وسائل البحث في السنوات الأخيرة، فبعد أن كانت الدراسات تعتمد على استئصال
جزء من المخ وملاحظة العواقب، أصبحت التجارب الحديثة على الإنسان الحي من خلال رسم
المخ الكهربائي العادي، ورسم المخ بالكمبيوتر، والجهد الكهربي المستدعی، وفحص المخ
بالكمبيوتر، وكذلك تصوير المخ بجهاز البوزترون بالكمبيوتر، والذي يبحث وظيفة
الخلية العصبية. كذلك قياس مجرى الدم في المساعدة في حالات القلق، وتقييم الهرمونات العصبية في المخ والسائل النخاعي وفي الدم.
وقد ساعدت هذه الدراسات في فهم جزء من العمليات العقلية العليا، والتي مازال
معظمها في متاهات يحاول العلم الحديث اكتشافها وحل أسرارها.
و من وسائل التصوير التي أصبح من الممكن
دراسة الدماغ و إستكشافه هي التصوير بالأشعة المقطعية أو التصوير بالجهازالمصدر
البوزيترون أو كذلك بالتصوير بالرنين المغناطيسي .
المصادر و المراجع :
بوعود أسماء . ( 2016 ) . مطبوعة الدعم البيدغوجي في مقياس علم النفس الفزيولوجي . جامعة سطيف 2 . الجزائر
نصر الدين جابر . ( 2015 ) . دروس في علم النفس الفيزيولوجي . منشورات مخبر الدراسات النفسية و الاجتماعية . جامعة محمد خيضر . بسكرة . الجزائر